الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التلخيص في أصول الفقه
.القَوْل فِي أَن خطاب المواجهين مَقْصُور عَلَيْهِم إِلَّا أَن يقوم دَلِيل على دُخُول من بعدهمْ فيهم: فَإِن قَالَ قَائِل: فَلَو خَاطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدًا من أهل عصره، وسمى رجلا باسمه فَهَلا يتَعَدَّى الحكم مِنْهُ إِلَى غَيره؟ قُلْنَا: ظَاهر الصِّيغَة يَقْتَضِي تَخْصِيص الْخطاب بِهِ فَإِن قَامَت دلَالَة على تعديته إِلَى غَيره عدي. فَإِن قيل: فَهَل تجرون ذَلِك مجْرى تَعديَة خطاب أهل الْعَصْر الأول إِلَى أهل الْعَصْر الثَّانِي؟ قُلْنَا: قد ثَبت إِجْمَاع فِي المسألة الأولى... بِهِ وَلم نقصر الشَّرْع على أهل الْعَصْر الأول إِلَى أهل الْعَصْر الثَّانِي، وَلم يثبت فِي المسألة الثَّانِيَة إِجْمَاع، فقد يُخَاطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدًا وَيُرِيد تَعْمِيم الكافة، وَقد يرد التَّخْصِيص عَن قَضِيَّة ظَاهر اللَّفْظ فَلَمَّا انقسمت أَلْفَاظه فِي ذَلِك لزم التَّمَسُّك بِظَاهِر التَّخْصِيص إِلَى أَن تقوم دلَالَة. وَقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن خطاب الْوَاحِد خطاب للكافة. تمسكا بقوله سُبْحَانَهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس}. فَهَذَا يدل على تَعْمِيم كل مَا أرسل فِيهِ. قيل: لَا بل يدل هَذَا على كَونه رَسُولا فِي حق الكافة، وَأما أَن يدل على استوائهم فِي كل الْأَحْكَام فَلَا، وَأَنِّي يَسْتَقِيم فِي الْأَحْكَام فِي موارد الشَّرِيعَة، فَمن مُخْتَصّ وَمن عَام. وَرُبمَا يتَمَسَّك هَذَا الْقَائِل بِمَا رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «خطابي للْوَاحِد خطابي للكافة». قيل: هَذَا من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يسوغ التَّمَسُّك بِهِ فِي إِثْبَات الْحجَج، فَإِن حجج الشَّرْع لَا تثبت إِلَّا بأدلة قَاطِعَة إِذْ لَو أَرَادَ مزية تثبيت كَون خبر الْوَاحِد مُوجبا للْعَمَل بِمَا لَا يُوجب الْقطع لم يتَقَبَّل مِنْهُ مَعَ أَن هَذَا عرضة للتأويل فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بقوله: «خطابي للْوَاحِد خطابي للْجَمِيع» أَن أَمْرِي كَمَا يلْزم الْوَاحِد يلْزم الكافة، لَو خاطبت الكافة بِصِيغَة تَعْمِيم وَإِن اسْتدلَّ بِأَن قَالَ: لَو كَانَ يُرِيد تَخْصِيص مُخَاطبَة لنَصّ عَلَيْهِ كَمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خص بعض أصحابه بالتضحية بِمَا دون الْجذع قَالَ: «تُجزئ عَنْك وَلَا تُجزئ عَن أحد بعْدك» وَقَالَ لمن تزوج على مَا حفظه من الْقُرْآن: (هَذَا لَك) إِلَى غير ذَلِك، وَهَذَا من ضَعِيف الِاسْتِدْلَال، فَإِن التَّنْصِيص على التَّخْصِيص لَا يُوجب الْعُمُوم عِنْد الْإِطْلَاق، كَمَا أَن عدم التَّنْصِيص على التَّعْمِيم فِي الصِّيَغ الْعَامَّة لَا يَنْفِي عمومها عِنْد الْقَائِلين بِالْعُمُومِ، وَإِن كَانَ قد يرد بعد الْأَلْفَاظ مؤكدا فِي اقْتِضَاء التَّعْمِيم. وَالَّذِي يُوضح ذَلِك أَنا لَو جعلنَا التَّقْيِيد مثل ذَلِك علما للتخصيص لزم إبْطَال التَّأْكِيد فِي مُقْتَضى الْكَلَام، فَإِن اللَّفْظَة قد ترد على معنى هِيَ مُسْتَقلَّة بِنَفسِهَا فِي إثارته، ثمَّ قد يُؤَكد فِي تَحْقِيق مَعْنَاهَا بضروب من الْقُيُود، وَلَا يدل تَأْكِيد الْقَرَائِن على عدم إِثْبَاتهَا فِي مَعْنَاهَا عِنْد الْإِطْلَاق والتجرد عَن الْقَرَائِن. .القَوْل فِي أَنه هَل يَصح علم الْمُكَلف بِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْفِعْلِ: وَقَالَت الْقَدَرِيَّة: لَا يَصح علمه بتوجه الْأَمر عَلَيْهِ إِلَّا بعد الْإِقْدَام عَلَيْهِ على الِامْتِثَال، أَو بعد مُضِيّ وَقت يَسعهُ مَعَ تَركه لَهُ. وَحَقِيقَة أصلهم فِي ذَلِك أَن الْأَمر لَا يتَضَمَّن إِيجَاب الِامْتِثَال مقترنا بِهِ بل يتَعَيَّن بآخر الِامْتِثَال عَن اتِّصَال الْأَمر وَلَو بِزَمَان. ثمَّ من أصلهم أَن مَا تحقق حُدُوثه عَن الِامْتِثَال فَلَا يكون الْمُكَلف فِي حَال حُدُوثه مَأْمُورا بِهِ على مَا سنعقد فِي ذَلِك فصلا إِن شَاءَ الله عز وَجل. وَإِنَّمَا يتَحَقَّق الْوُجُوب فِيمَا سيفعله فِي الثَّانِي، وَلمن يتَحَقَّق استيقانه لبَقَائه على صفة التَّكْلِيف فِي الثَّانِي، فاستحال عِنْدهم اعْتِقَاد الْوُجُوب مَعَ الْأَمر، واستحال اعْتِقَاده مَعَ حُدُوث الِامْتِثَال، واستحال استيقانه فِي الِاسْتِقْبَال مَعَ انطواء الْغَيْب عَنَّا. فَقَالُوا لهَذِهِ الْأُصُول الَّتِي أومأنا إِلَيْهَا: لَا يَصح من الْمُكَلف أَن يعلم كَون نَفسه مَأْمُورا قطعا. وَأما نَحن فَإنَّا نزعم أَن الْمُكَلف يعلم كَون نَفسه مَأْمُورا، ونقطع بِهِ فِي مَحل الْقطع، ويؤول توقفه فِي اسْتِدَامَة الْوُجُوب إِلَى توقع الاخترام والبقاء، فالدليل على مَا صرنا إِلَيْهِ إِجْمَاع الْمُسلمين قاطبة فَإِن أهل الْإِسْلَام أَجمعُوا على توجه النَّهْي عَن الْمُحرمَات على الْمُكَلّفين وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على توجه الْأَمر وَالنَّهْي على أحد من المخاطبين، وَفِي هَذَا أعظم الْفِرْيَة. فَإِن قيل: فَإِذا انْقَضى الْوَقْت تبين توجه الْأَمر؟ قيل: حدتم عَن مَوضِع الْإِلْزَام وَذَلِكَ أَن الْوَقْت إِذا انْقَضى فَبعد انقضائه لَا يتَحَقَّق إِثْبَات الْأَمر بإيقاع فعل مثله مذهبكم يقودكم أَنه حَيْثُ تصور مِنْهُ الِامْتِثَال لَا يعلم توجه الْأَمر مقتضيا لامتثال وَحَيْثُ يعلم لَا يتَصَوَّر الِامْتِثَال وَلما عظم خطر هَذَا الْكَلَام صَار بَعضهم يُدَلس متقيا خرق الْإِجْمَاع ويوافق أهل الْحق وَإِلَيْهِ مَال عبد الْجَبَّار، وَلَكِن لَا يَسْتَقِيم ذَلِك على مُقْتَضى أصولهم. وَمن أوضح مَا يسْتَدلّ بِهِ أَن نقُول: إِذا زعمتم أَن الْإِيجَاب لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِيمَا يُوقع فِي الثَّانِي، فَإِن الْإِيقَاع فِي الْمَاضِي لَا يتَصَوَّر وجوب الِامْتِثَال مَعَ الْأَمر لَا يتَقَدَّر اقترانا بِأول حَالَة، وَبَقَاء صفة الْمُكَلف فِي الثَّانِي مَشْكُوك فِيهِ، فَإِذا كَانَ هَذَا أصلكم فَهَلا قُلْتُمْ أَنه لَا يجب الْإِقْدَام على الِامْتِثَال فَإِن شَرط ثُبُوت التَّكْلِيف فِي الِالْتِزَام علم الْمُكَلف بِهِ، فَإِذا لم يتَحَقَّق علمه بِهِ كَيفَ يتَحَقَّق اللُّزُوم، وَهل هَذَا إِلَّا عين التَّنَاقُض؟. فَإِن قَالُوا: إِنَّمَا يعرف وجوب الْإِقْدَام على الِامْتِثَال لأصل، وَهُوَ أَن الْمُكَلف إِذا جوز أَن يبْقى فِي الثَّانِي، وَجوز أَن يخترم وَعلم أَنه لَو بَقِي وَلم يُوقع فِي الْوَقْت الثَّانِي امتثالا كَانَ مَعْلُوما، فَإِذا تصدى لَهُ طَرِيقَانِ يتَوَصَّل بِأَحَدِهِمَا إِلَى الْأَمر من اسْتِحْقَاق الْعقَاب، فالعقل يلْزمه إيثاره واختياره. قيل لَهُم: هَذَا الَّذِي ذكرتموه تشبيث مِنْكُم بأطراف مسئلة الْعقل، وَكَونه مُوجبا، وسنشبع القَوْل فِي الرَّد عَلَيْكُم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ثمَّ نقُول: فاحسبونا وافقناكم على مَا قُلْتُمْ فَلَا مخلص فِيهِ، فَإِن مَا أومأتم إِلَيْهِ ضرب من الْإِيجَاب وَشرط الْبَقَاء على صفة التَّكْلِيف فَإِن هَذَا الحكم لَا يخْتَلف بِإِسْنَاد الْإِيجَاب إِلَى عقل وَسمع وكما يشْتَرط بَقَاؤُهُ فِي تَحْقِيق الْوُجُوب الْعقلِيّ، وَمَا ذكرتموه ضرب من الْوُجُوب فَكَمَا لزمكم فِي الأَصْل عِنْد التشكك فِي الْإِيجَاب إِلَّا بعزم فيلزمكم فِي عين مَا قلتموه مثله، وَهَذَا مَا لَا محيص عَنهُ. وَتمسك القَاضِي رَضِي الله عَنهُ بنكتة أُخْرَى فَقَالَ: أجمع الْفُقَهَاء على من تلبس بِالصَّلَاةِ وَهُوَ مستريب فِي وُجُوبهَا فَلَا تَنْعَقِد، وَإِنَّمَا تَنْعَقِد صلَاته إِذا نوى وُجُوبهَا جزما أَو نوى مَا يقوم مقَام نِيَّة الْوُجُوب وَلَا معنى لجزم النِّيَّة على أصلهم مَعَ مَا قدمْنَاهُ من مَذْهَبهم، وَهَذَا وَإِن أمكن تَقْرِيره فالاعتماد على مَا قدمْنَاهُ. فَإِن قَالُوا: ألستم وافقتمونا على اسْتِحَالَة القَوْل بِوُجُوب الِامْتِثَال مَعَ الْمَوَانِع عَنهُ؟ فَإِذا كَانَت الْمَوَانِع غير مَأْمُونَة وَلم يعلم انتفاؤها مَقْطُوعًا بِهِ فِي الْمِثَال وَجب أَن لَا يكون الْوُجُوب مَقْطُوعًا بِهِ أَيْضا. وَهَذَا لعمري شُبْهَة مخيلة فَأول مَا يتَمَسَّك بِهِ فِي الْجَواب أَن نقُول: توجه الْأَمر على الْمُكَلف يتَحَقَّق فِي الْحَال وَلَيْسَ فِي ثُبُوت الْأَمر وجوده مُتَعَلقا بالمأمور شرطا، وَإِنَّمَا الشَّرْط فِي دوَام الْوُجُوب على الْمَأْمُور فَلم يرجح الشَّرْط إِذا إِلَى تعلق الْأَمر، وَإِنَّمَا رجح إِلَى بَقَاء الْوُجُوب على الْمَأْمُور. وسر مَذْهَبنَا فِي ذَلِك أَنا نجوز ثُبُوت الْأَمر بالشَّيْء مَعَ أَنه فِي مَعْلُوم الله سينسخ قبل مُضِيّ وَقت يسع الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ على مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله فِي أَبْوَاب النّسخ، فَإِذا جَوَّزنَا ثُبُوت وجوب شَيْء ثمَّ جَوَّزنَا نسخه قبل مُضِيّ وَقت الْإِمْكَان، تبين بذلك أَنا لَا نشترط فِي تَحْقِيق الْوُجُوب تقرر الْإِمْكَان بل نشترط على منع تَكْلِيف الْمحَال كَونه من قبيل الممكنات. وَالَّذِي يُوضح ذَلِك أَن الحكم إِذا نسخ قبل فعله وَوَقته فلسنا نقُول أَن الحكم لَا يثبت أصلا، وَلَكِن نقُول: ثَبت وارتفع فأقصى مَا يلزمونا فِي المسألة الْوُجُوب من عدم الْإِمْكَان فِي الْمَآل، وَهَذَا مِمَّا نقُول بِهِ فِي أَحْكَام النّسخ، فَافْهَم ذَلِك من أَصله، وَأحل تثبيته بِالدَّلِيلِ على النّسخ. ثمَّ نقُول: إِذا علم الله تَعَالَى أَن الْمُخَاطب سَيبقى إِلَى وَقت امْتِثَال الْفِعْل فَيَقُولُونَ إِنَّه مَأْمُور فِي علمه، ويعلمه مَأْمُورا، وَإِن لم يطلقوا ذَلِك فِي حق العَبْد نَفسه، وتصوير ذَلِك أَن الرب تَعَالَى إِذا أَمر الْمُحدث بِالصَّلَاةِ على شَرط التَّطْهِير، وَعلم أَنه يتَمَكَّن مِنْهُ وَمن الصَّلَاة فَهُوَ مَأْمُور بِالصَّلَاةِ عِنْد الله وفَاقا وَإِن كَانَ يُوجد فِي ثَانِي الْحَال، فَلَو كَانَ التَّمَكُّن شَرط كَونه مَأْمُورا، للزمكم أَن تَقولُوا: لَا يكون مَأْمُورا بِالصَّلَاةِ قبل التَّطْهِير، فَلم قُلْتُمْ إِنَّه مَأْمُور بهَا، وَإِن كَانَ شَرط صِحَّتهَا يُوجد فِي الثَّانِي، فَبِمَ تنكرون على من يقطع بِكَوْنِهِ مَأْمُورا فِي الْحَال وَإِن كَانَ الشَّرْط فِي الْمِثَال مغيبا عَنهُ. ثمَّ نقُول لَهُم الْوَاحِد منا إِذا أَمر عَبده بِأَمْر مَعَ علمه بِأَنَّهُ يخترم قبل اتمامه أَو قبل الشُّرُوع فِيهِ بِأَن علمه بذلك نَبِي، أَو ثَبت لَهُ علم ضَرُورِيّ فَيحسن مِنْهُ أَمر ليبتلي بذلك طَاعَته، وَهَذَا مَا لَا يُنكره أَرْبَاب الْأَلْبَاب فِي الْعَادَات حَتَّى لَو أَتَى الْمَأْمُور وَالصُّورَة هَذِه عد عَاصِيا، وَلَو أبرم الْعَزْم على الِامْتِثَال عد مُطيعًا، وَهَذَا مَا لَا سَبِيل إِلَى جَحده فلولا أَن حَقِيقَة كَونه مَأْمُورا مَعَ عدم الْإِمْكَان فِي الْمِثَال، وَإِلَّا لما انتسب الْمَأْمُور إِلَى الْمعْصِيَة. فَإِن قيل: كَأَنَّهُ بأَمْره طلب مِنْهُ الْعَزْم على الْفِعْل دون الْفِعْل وَهَذَا مُتَصَوّر مِنْهُ. قيل لَهُم: فتكليف الْعَزْم على الْأَمر مَعَ عدم الْإِمْكَان فِيهِ محَال، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لَو قدر الْمَأْمُور عَالما بِعَدَمِ الْإِمْكَان لم يتَصَوَّر تَكْلِيفه الْعَزْم فَدلَّ أَن الْأَمر تعلق بِهِ فِي نفس الْفِعْل، ثمَّ يُقَال لَهُم فَكل مَا تبدوه فِي الصُّورَة الَّتِي فرضت عَلَيْكُم شَاهدا يلزمكم مثله فِي أَمر الله تَعَالَى حَتَّى تَقولُوا: إِن أمره يُوجب الْعَزْم إِذا علم عدم الْإِمْكَان فيلزمكم من ذَلِك تَجْوِيز التَّكْلِيف بالعزم على الشَّيْء مَعَ عدم الْإِمْكَان فِي المعزوم عَلَيْهِ، وَهَذَا محَال عنْدكُمْ، كَمَا يَسْتَحِيل التَّكْلِيف بالعزم على المحالات. .القَوْل فِي جَوَاز كَون الْأَمر مَشْرُوطًا بِبَقَاء الْمَأْمُور على صِفَات التَّكْلِيف: فَأَما أَمر الله تَعَالَى فَيصح على أصُول الْحق أَن ترد الصِّيغَة عَنهُ مُقَيّدَة بِبَقَاء الْمَأْمُور مَعَ علمه بِمَا يكون وتقدسه عَن الريب فِي الْغَيْب، وَأنْكرت الْمُعْتَزلَة ذَلِك غَايَة الْإِنْكَار وَقَالُوا: يَسْتَحِيل أَن يرد الْأَمر من الله تَعَالَى مُقَيّدا بِشَرْط بَقَاء الْمُكَلف على صِفَات التَّكْلِيف، وَأَنه عَالم بِمَا يكون وَإِنَّمَا يَصح الشَّرْط منا لترددنا وتقابل الجائزات فِي حقوقنا حَتَّى قَالُوا لَو علم الْوَاحِد منا بِوَحْي أَو إِعْلَام نَبِي بِمَا يكون من حَال مخاطبه فَلَا يحسن مِنْهُ أَيْضا تَقْيِيد خطابه بِبَقَاء الْمُخَاطب على صِفَات الْمُخَاطب. وَالدَّلِيل على تَجْوِيز الْخطاب بِبَقَاء صِفَات الْإِنْكَار وَإِن صدر الْخطاب من عَالم بِمَا يكون: أَن نقُول: إِذا ورد الْأَمر من الله تَعَالَى فَلَا تخلون إِمَّا أَن تَقولُوا يمْتَنع تَقْيِيده بِعِلْمِهِ بِمَا يكون فِي الْمَآل وَإِمَّا أَن تَقولُوا يمْتَنع تَقْيِيده للْعلم بِأَن الِامْتِثَال يتَقَيَّد بالإمكان لَا محَالة، فَلَا فَائِدَة فِي ذكره، فَإِن زعمتم أَن الْمَانِع من التَّقْيِيد الْعلم بِاشْتِرَاط الْإِمْكَان قطعا فَوَجَبَ أَن تَقولُوا: لَا يحسن منا تَقْيِيد أَمر بِانْتِفَاء من التَّقْيِيد كَون الرب تَعَالَى عَالما بِمَا يكون فَيلْزم من ذَلِك مَا لَا محيص عَنهُ وَهُوَ أَن لَا يُفِيد وعده ووعيده لعلمه بِمَا يكون كَمَا يفِيدهُ أمره وَلَو تتبعت وعد الْقُرْآن ووعيده ألفيت معظمه مُقَيّدا، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {لَو اطَّلَعت عَلَيْهِم لَوَلَّيْت مِنْهُم فِرَارًا} فَمَا وَجه الترديد فِي ذَلِك مَعَ علم الرب تَعَالَى بِأَنَّهُ يطلع وَلَا يطلع إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى وَلَا يحصر من موارد الْقُرْآن وَالسّنَن فَبَطل مَا قَالُوهُ من كل وَجه. ثمَّ اعْلَم أَن هَذِه المسألة تبتني على الَّتِي تقدّمت وَهِي أَنا قُلْنَا يقطع الْمُكَلف بِالْتِزَام مَا كلف مَعَ التَّرَدُّد فِي حكم الْعَاقِبَة، فترتب على ذَلِك مقصدنا ونقول: إِذا ورد الْأَمر مُطلقًا فَهَل تَقولُونَ إِنَّه يتَعَلَّق بالمكلف قطعا فِي الْحَال أم تستريبون فِيهِ، فَإِن استربتم فقد سبق وَجه الرَّد عَلَيْكُم، وَإِن قطعْتُمْ مَعَ انطواء حكم الْعَاقِبَة عَن الْمُكَلف فَيلْزم من ذَلِك أَن يكون مُكَلّفا مَعَ ذُهُوله عَمَّا يكون، وَالْأَمر مُتَوَجّه عَلَيْهِ قطعا، فَإِذا تصور ذَلِك الِاعْتِقَاد فِي الْأَمر الْمُطلق فَمَا الْمَانِع من تَقْيِيده بِمَا يعْتَقد فِيهِ عِنْد انطلاقه. فَإِن قيل: فالامتثال لَا يَقع إِلَّا مَعَ الْإِمْكَان، فَلَا فَائِدَة فِي تَقْيِيد الْخطاب بِهِ، وَهَذَا كَمَا أَن الْفِعْل لَا يَقع إِلَّا عرضا، فَلَا جرم لَا فَائِدَة فِي أَن يَقُول الْآمِر افْعَل إِن فعلك عرضا. قيل لَهُم: هَذَا الاستشهاد مِنْكُم بَاطِل، وَذَلِكَ أَنا لَا نجوز أَن يثبت الْوُجُوب ثمَّ لَا يَدُوم وَإِذا لم يتَحَقَّق الْإِمْكَان فلسنا نسلم لكم توقف أصل الْوُجُوب على الْإِمْكَان، ثمَّ نقُول لَو صَحَّ مَا قلتموه وَجب أَن لَا تجوزوا من الْوَاحِد منا يُقيد أمره بدوام وصف الْإِمْكَان جَريا على مَا مهدتموه. فَإِن قَالُوا: إِنَّمَا حسن منا ذَلِك لجهلنا بِمَا يكون. قُلْنَا: وَإِن جهلنا مَا يكون فَلَا نجهل أَن يكون الِامْتِثَال لَا يَقع إِلَّا مَعَ الْإِمْكَان، فَلَا فَائِدَة فِي ذكره على مُوجب قَوْلكُم ثمَّ نقُول: إِذا ورد القَوْل فِي بَقَاء صِفَات التَّكْلِيف والإمكان فَيمكن أَن يقْصد بذلك ابتلاء الْمُكَلف وامتحانه فِي توطين النَّفس على الِامْتِثَال، والعزم عَلَيْهِ، أَو الاضراب عَنهُ. فَلَمَّا كَانَ هَذَا سَبيله حسن تردد القَوْل فِيهِ وَأما كَون الْفِعْل عرضا فَلَيْسَ مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض فِي امتحان الْمُكَلف بِالطَّاعَةِ والعصيان، فافترق البابان. وَالله الْمُوفق للصَّوَاب. تمّ الْجُزْء الأول بحول الله وعونه وَالصَّلَاة على نبيه الْكَرِيم، يتلوه فِي التَّرْتِيب. .القَوْل فِي أَن الْأَمر بِالْفِعْلِ هَل يتَعَلَّق بِهِ حَال حُدُوثه: وَذهب بعض من ينتمي إِلَى أهل الْحق إِلَى أَن الْأَمر إِنَّمَا يَقْتَضِي الْإِيجَاب على التَّحْقِيق إِذا قَارن حُدُوث الْفِعْل، وَإِذا تقدم عَلَيْهِ فَهُوَ أَمر إنذار وإعلام بِحَقِيقَة الْوُجُوب عِنْد الْوُقُوع، وَهَذَا بَاطِل، وَالَّذِي نختاره تحقق الْوُجُوب قبل الْحُدُوث وفِي حَال الْحُدُوث، وَإِنَّمَا يفْتَرق الحالتان فِيمَا قدمْنَاهُ من التَّرْغِيب والاقتضاء وَالدّلَالَة، فَإِن ذَلِك يتَحَقَّق قبل الْفِعْل وَلَا يتَحَقَّق مَعَه. وَزَعَمت الْقَدَرِيَّة بأسرها أَن الْفِعْل فِي حَال حُدُوثه يَسْتَحِيل أَن يكون مَأْمُورا بِهِ وَلَا يتَعَلَّق بِهِ الْأَمر إِلَّا قبل وجوده ثمَّ طردوا مَذْهَبهم فِي جملَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَلم يصفوا كَائِنا بحظر وَلَا وجوب وَلَا ندب، وَإِنَّمَا أثبتوا هَذِه الْأَحْكَام قبل تحقق الْحُدُوث ثمَّ افْتَرَقُوا فِيمَا بَين أظهرهم، فَقَالَ بَعضهم: لَا يَصح تقدم الْأَمر على الْمَأْمُور بِهِ بِأَكْثَرَ من وَقت وَاحِد، وَصَارَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُم إِلَى جَوَاز تقدمه عَلَيْهِ بأوقات، ثمَّ الَّذين صَارُوا إِلَى هَذَا الْمَذْهَب اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يشْتَرط بَقَاء الْمُكَلف فِي الْأَوْقَات الْمُتَقَدّمَة على حُدُوث الْمَأْمُور بِهِ على أَوْصَاف التَّكْلِيف؟ فَمنهمْ من شَرط كَونه مستجمعا لشرائط التَّكْلِيف فِي كل الْأَوْقَات الْمُتَقَدّمَة، وَزعم بَعضهم: أَنا لَا نشترط ذَلِك وَإِنَّمَا نشترط اجْتِمَاع الْأَوْصَاف عِنْد حُدُوث الْفِعْل ونشترط فِي الْأَوْقَات الْمُتَقَدّمَة عَلَيْهِ كَون الْمُخَاطب مِمَّن يفهم الْخطاب. ثمَّ افْتَرَقُوا بعد ذَلِك فِي أصل آخر، وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا: هَل يجوز أَن يتَقَدَّم الْأَمر على الْمَأْمُور بِهِ بأوقات من غير أَن يكون فِيهِ لطف ومصلحة زَائِدَة على التَّبْلِيغ من الْمبلغ وَالْقَبُول من الْمُخَاطب فَمنهمْ من شَرط أَن يكون فِي ذَلِك لطف يُعلمهُ الله وَمِنْهُم من لم يشْتَرط ذَلِك. وَالْكَلَام فِي الرَّد عَلَيْهِم فِي تفاصيل مَذْهَبهم يتَعَلَّق بالصلاح والأصلح، وَأَحْكَام اللطف وَهُوَ مِمَّا يستقصي فِي الديانَات إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَالَّذِي تخصصت هَذِه المسألة بِهِ طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: أَن نقُول هَل تسلمون لنا أَن الْحَادِث فِي حَال حُدُوثه مَقْدُور، أم لَا تسلمون ذَلِك؟ فَإِن سلمتم وَجب تَجْوِيز كَونه مَأْمُورا فَإِن مَا كَانَ مَقْدُورًا وتجمعت فِيهِ الْأَوْصَاف المضبوطة فِي كَون الْمَأْمُور مَأْمُورا جَازَ أَن يكون مَأْمُورا بِهِ وَإِن منعُوا ذَلِك وَهُوَ أصلهم دللنا عَلَيْهِ بِمَا سَنذكرُهُ بعد ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَهَذِهِ طَرِيقه إِلَيْنَا، وَإِن أَحْبَبْت أَفْرَاد المسألة بِكَلَام من غَيرنَا، قلت: هَل تسلمون لنا أَن الصَّلَاة مَأْمُورا بهَا فَإِنَّمَا يتَحَقَّق اسْم الصَّلَاة إِذا وجدت فَإِن الْعَدَم لَا يُسمى صَلَاة، وأعقبه بِمَا يحققه وَقَالَ: الْمَأْمُور لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون عدما أَو وجودا فَهُوَ مَا نقُول، فَإِن كَانَ عدما كَانَ محالا، فَإِن الْعَدَم هُوَ الانتفاء والفقد، ويستحيل أَن يكون الانتفاء مَأْمُورا بِهِ. فَإِن قيل: الْمَأْمُور بِهِ: أَن يفعل الْمُكَلف. قُلْنَا: فقولكم أَن يفعل عبارَة عَن وجود أَو عدم، وَيعود عَلَيْكُم مَا قدمْنَاهُ من التَّفْصِيل وَهَذَا مِمَّا لَا محيص للخصم عَنهُ. وَمِمَّا يعول عَلَيْهِ وَهُوَ يداني مَا قدمْنَاهُ أَن نقُول إِذا تحقق الْحُدُوث فالحادث الْوَاقِع على مُقْتَضى الْأَمر لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون طَاعَة وَإِمَّا أَن يكون لَا يَتَّصِف بذلك، وَإِن اتّصف بِكَوْنِهِ طَاعَة فيستحيل أَن يكون طَاعَة وَهُوَ غير مَأْمُور بِهِ وَإِن لم يصفوه بِكَوْن طَاعَة فِي وجوده فَلَا يَتَّصِف الْعَدَم بِكَوْنِهِ طَاعَة، وَلَيْسَ بَين الْوُجُود والعدم رُتْبَة، وَلم يسموا الْوُجُود بِالطَّاعَةِ، واستحال تَسْمِيَة الْعَدَم بهَا فَيلْزم من ذَلِك عدم تصور الطَّاعَة. وَاعْلَم ان كل شُبْهَة للْقَوْم فِي تقدم الِاسْتِطَاعَة على الْفِعْل تطرد فِي هَذِه المسألة مَعَ الْجَواب عَنْهَا، ولعلها ستأتي فِي بَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمَا يخصصون هَذِه المسألة بِهِ من كَلَامهم أَن قَالُوا فَائِدَة الْأَمر اقْتِضَاء الْفِعْل والحث عَلَيْهِ فَإِذا وجد الْفِعْل فَلَا فَائِدَة فِي الْحَث عَلَيْهِ وَقد تحقق وجوده. قُلْنَا: مَا قدمْنَاهُ فِي شرح مَذْهَبنَا فِي صدر الْبَاب انْفِصَال عَمَّا أوردتموه، فَإِن الْأَمر يُفِيد التَّرْغِيب تَارَة، ويفيد اللُّزُوم، وَكَون الْمَأْمُور طَاعَة أُخْرَى فالترغيب لَا يتَحَقَّق إِلَّا مُتَقَدما كَمَا قُلْتُمْ واقتضاء الْوُجُوب وسمة الطَّاعَة لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي الْوُجُود. .فصل: وَهَذَا بَاطِل لَا تَحْقِيق وَرَاءه فيستحيل كَون الْفِعْل مَأْمُورا بِهِ مَعَ انْتِفَاء الْأَمر، وَالْأَمر مَعْدُوم فِي الْحَالة الثَّانِيَة فَإِن أردنَا أَن نتصور كَون الْفِعْل مَأْمُورا على التَّحْقِيق فِي حَال حُدُوثه فلابد أَن يتَصَوَّر أَمر مُقَارن لَهُ وَلَيْسَ ذَلِك كالأمر الْمُتَعَلّق بالمعدوم، فَإِنَّهُ أَمر على شَرط الْوُجُود ويستحيل أَن يُقَال: إِن الْأَمر الَّذِي عدم أَمر بعد عَدمه على شَرط وجوده، فتفهم ذَلِك، وافصل بَين الْبَابَيْنِ، وسنشبع القَوْل فِي أَمر الْمَعْدُوم إِن شَاءَ الله. .فصل: فَهَذَا لَو كَانَ الْأَمر مُوَاجهَة، فَأَما إِذا كَانَ أَمر الله فآل أَن يتلقفه الرُّسُل ويفهمه ثمَّ يبلغهُ، وَيفهم مِنْهُ بمرحلة من الْأَوْقَات، فَبَطل الْمصير إِلَى أَن الْأَمر يتَقَدَّم على المأمورعلى وَقت وَاحِد. وَأما تفاصيلهم فِي التَّقْدِيم بالأوقات فيليق بمحض الْكَلَام فِي الصّلاح والأصلح فَلَا وَجه للخصوم فِيهِ. .القَوْل فِي أَن الْمَعْدُوم مَأْمُور: ثمَّ الَّذِي سلكوا هَذِه الطَّرِيقَة افْتَرَقُوا فَذهب بعض الْفُقَهَاء إِلَى أَن الْأَمر قبل وجود الْمَأْمُور أَمر إنذار وإعلام وَلَيْسَ بِأَمْر إِيجَاب على التَّحْقِيق. وَذهب الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنه أَمر إِيجَاب على شَرَائِط الْوُجُود، وَإِبْطَال قَول من قَالَ إِنَّه إِعْلَام، وَقَالُوا: مَا تحاشيتموه من الْإِيجَاب يلزمكم مثله فِي الْإِعْلَام فَإِنَّهُ كَمَا يستبعد إِلْزَام الْمَعْدُوم شَيْئا فَكَذَلِك يستبعد إِعْلَامه، وَذهب بعض إِلَى منع أَمر الْمَعْدُوم. وعَلى قَضِيَّة هَذَا الِاخْتِلَاف اخْتلف الصائرون إِلَى قدم كَلَام الرب تَعَالَى وَأَن كَلَامه - عزت قدرته - هَل يَتَّصِف فِي أزله بِكَوْنِهِ أمرا نهيا. أم يتَوَقَّف ثُبُوت هَذَا الْوَصْف على وجود الْمُكَلّفين، وتوفر شَرَائِط التَّكْلِيف عَلَيْهِم؟ فَمن جوز أَمر الْمَعْدُوم صَار إِلَى أَن كَلَام الرب تَعَالَى لم يزل أمرا، وَمن أنكر ذَلِك جعل كَونه أمرا من الصِّفَات الآئلة إِلَى الْفِعْل، وَهَذَا كَمَا أَن الرب لم يَتَّصِف فِي أزله بِكَوْن خَالِقًا، فَلَمَّا خلق وصف بِكَوْنِهِ «خَالِقًا». وَالَّذِي نرتضيه جَوَاز أَمر الْمَعْدُوم على التَّحْقِيق بِشَرْط الْوُجُود وَأنْكرت الْمُعْتَزلَة قاطبة ذَلِك. وَمن أوضح مَا نستدل بِهِ أَن نقُول: اتّفق الْمُسلمُونَ على أَنا فِي عصرنا مأمورون بِأَمْر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِهِ وَلم نعاصره، وَلم يتَعَلَّق بِنَا خطابه وجاها وَكَذَلِكَ نقُول: أَمر الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَادث عنْدكُمْ معاشر الْقَدَرِيَّة، ثمَّ نَحن مأمورون بِالْأَمر المتوجه على أهل عصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن كَانَ من وصف الْأَمر عنْدكُمْ أَنه لَا يبْقى زمانين فَإِنَّهُ من قبيل الْكَلَام، وَالْكَلَام منصرف إِلَى الْأَصْوَات وَهِي مِمَّا لَا تبقى عِنْدهم وفَاقا، فَإِن قَالُوا: تبقى مُعظم الْأَعْرَاض؟ فَإِن قيل: أَمر الرب يَتَجَدَّد علينا فِي عصرنا؟ قيل لَهُم: إِذا انْقَضى زمَان الْوَحْي واستأثر الله نَبِي الْأمة فقد أجمع الْمُسلمُونَ قاطبة على اسْتِحَالَة ثُبُوت أَمر مُجَدد من الله تَعَالَى من غير تَبْلِيغ مبلغ ورسالة مُرْسل، فَمن أَيْن قُلْتُمْ أَن الْأَمر يَتَجَدَّد، وَلَو تجدّد فَمن أَيْن نعلم ذَلِك؟ فَإِن قَالُوا: تتجدد أوَامِر الله تَعَالَى مَعَ قِرَاءَة الْقُرَّاء، فِي خبط طَوِيل لَهُم فِي خلق الْكَلَام، وَلَا وَجه للخصوم فِيهِ، وَلَكِن نقُول لَو صمت الْقُرَّاء عَن أَمرهم وشغر الزَّمَان عَن قِرَاءَة قَارِئ أفتنقطع الْأَوَامِر عَنَّا؟ فَإِن قَالُوا بانقطاعها، امتثلوا عَن الدّين، فَإِن بَقَاء الشَّرَائِع لَا تتَوَقَّف على قِرَاءَة الْقُرَّاء. وَالَّذِي نختاره لَك فرض الْكَلَام فِي أَمر الله فَإنَّا قدمنَا فِي الْبَاب السالف أَن الْأَمر بعد مَا عدم مُسْتَحِيل تعلقه بمأمور فَإِذا فرضت الْكَلَام فِي أَمر الله فَهُوَ مِمَّا لَا يعْدم عنْدك. وَمِمَّا نستدل بِهِ أَن نقُول يَصح منا تَوْجِيه الْأَمر على الحاجز بِشَرْط أَن يقدر وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ فَافْهَم، وَإِن أَنْكَرُوا تَقْيِيد أَمر الله بِمَا يكون فِي الْمَآل لم ينكروا ذَلِك فِي أوامرنا عجز الْمَأْمُور يُنَافِي الِامْتِثَال كَمَا أَن عَدمه يُنَافِيهِ، ثمَّ لم يستبعد تعلق الْأَمر بِهِ على شَرط الاقتدار فَكَذَلِك تَقول فِي الْمَعْدُوم. فَإِن فصلوا بَينهمَا بِأَن الْعَاجِز عقل الْأَمر وفهمه فَلَا يتَحَقَّق ذَلِك فِي الْمَعْدُوم. قيل: فَمَا ينفعكم ذَلِك وَمُجَرَّد عقله لَا يُوجب توجه الِامْتِثَال عَلَيْهِ فِي على التَّضْيِيق، فَإِذا امْتنع الِامْتِثَال فوجود الْعقل وَعَدَمه بِمَثَابَة وَاحِدَة فكأننا نغير عدم تصور الِامْتِثَال بتحقق الْعَدَم، لعدم تصور لتحَقّق الْعَجز. وَمن أول مَا نستدل بِهِ أَن نقُول الْأَمر بالمعدوم جَائِز على تَقْدِير الإيجاد، وَكَذَلِكَ أَمر الْمَعْدُوم على تَقْدِير الْوُجُود. وَالَّذِي يُوضح ذَلِك أَنا لَو قَدرنَا الْمَأْمُور بِهِ منتفيا لَا يتَصَوَّر وجوده لم يَصح الْأَمر بِهِ، وَإِنَّمَا يَصح الْأَمر بِمَا يقدر وجوده فَكَذَلِك الْمَأْمُور. فَإِن قيل: الْفَاصِل بَينهمَا أَن الْمَأْمُور بِهِ لَا يجوز أَن يكون مَوْجُودا بِخِلَاف الْمَأْمُور. قيل لَهُم: قد سبق الْكَلَام عَلَيْكُم فِي ذَلِك، وَبينا أَن الْحَادِث فِي حَال حُدُوثه مَأْمُور بِهِ على التَّحْقِيق فَلَا ينفعكم استرواحكم إِلَى أصلكم ثمَّ كل مَا تستعبدوه من مصدرنا إِلَى كَون الْمَعْدُوم مَأْمُورا منعكس عَلَيْكُم فِي الْمَأْمُور بِهِ. وَتمسك بعض الْأصحاب فِي المسألة بِالْوَصِيَّةِ، وَالْوَقْف فَإِنَّهُمَا يتناولان من سيوجد إِذا وجد، وَلَا نرى لَك التَّمَسُّك بذلك فَإِن من ضَرُورَة الِاعْتِصَام بِهِ فرض الْكَلَام فِي أَمر سبق وَتقدم، ثمَّ يُوجد من يُوجد، وَقد قدمنَا لَك أَن الْأَمر بعد مَا عدم يَسْتَحِيل تعلقه بالمأمور. وللخصوم أَن يَقُولُوا إِنَّمَا ثَبت الْوَصِيَّة وَالْوَقْف بِأَمْر الله تَعَالَى، وَكَانَ سبق أَمر الْمُوصي والواقف أَنه فِي تجدّد أَمر الله على اعتوار الْبُطُون، فَالْأولى الاجتزاء، بِمَا قدمْنَاهُ من فرض الْكَلَام فِي أَمر الله، وَمن الِاعْتِصَام بالمأمور بِهِ. شُبْهَة الْمُخَالفين: فَإِن قَالُوا من تكلم بِالْأَمر، وَلَا مَأْمُور وَلَا مُخَاطب وَلَا مستمع إِلَى كَلَامه عد هاذيا، سَفِيها خَارِجا من قَضِيَّة الْحِكْمَة. وَهَذِه شُبْهَة الْقَوْم فِي نفي قدم الْكَلَام واستقصاء الْجَواب عَنْهَا فِي الديانَات غير أَنا نقُول: مَا ذكرتموه من الْقبْح وَالْحسن والهذيان والسفه والانتظام والاتساق كلهَا من نعوت المحدثات، وَالْقَدِيم يتقدس عَنهُ، وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك أَن من تتبع الْعلم بالمنكرات وتكلف اكْتِسَاب الْمعرفَة بالقاذورات وَأحب أَن يُحِيط علما بقطر الْبحار وأوراق الْأَشْجَار عد سَفِيها، وعد ذَلِك قبيحا مِنْهُ، والرب تَعَالَى يعلم ذَلِك كُله إِمَّا بِعلم قديم عندنَا أَو لنَفسِهِ عنْدكُمْ، وَلَا ينتسب إِلَى السَّفه فَإِن هَذَا الْوَصْف ثَبت قَدِيما لَازِما، وَإِنَّمَا يتَحَقَّق الْحسن والقبح فِيمَا يُوقع على وَجه، يقدر وُقُوعه على وَجه آخر، ويستقصي الْكَلَام فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الديانَات. شُبْهَة أُخْرَى لَهُم: فَإِن قَالُوا: أَجمعت الْأمة على أَن الْمَجْنُون غير مُخَاطب، وَلَا مَأْمُور. وَبِه نطقت سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ أولى بتوجه الْأَمر إِلَيْهِ من الْمَعْدُوم فَإِذا امْتنع ذَلِك فِي الَّذِي لَا يعقل فَلِأَن يمْتَنع فِي الْمَعْدُوم أولى. قيل لَهُم: هَذَا تلبيس مِنْكُم فَإنَّا على الْوَجْه الَّذِي لَا نجوز تَوْجِيه الْأَمر على الْمَجْنُون لَا نجوز توجه الْأَمر للمعدوم إِذا تحقق تَوْجِيه الْأَمر عَلَيْهِ وَلَكنَّا نقُول: الْمَعْدُوم مَأْمُور على شَرط الْوُجُود فَكَذَلِك الْمَجْنُون مَأْمُور على الْعقل. فَإِن قَالُوا: الْمَعْدُوم هُوَ المنتفي فقولكم إِنَّه مَأْمُور يؤول عِنْد التَّحْصِيل إِلَى أَن الْمَأْمُور مُنْتَفٍ، قَالُوا: وَهَذَا أوضح على أصلكم فَإِن الْمَعْدُوم لَيْسَ بِشَيْء عنْدكُمْ فكأنكم قُلْتُمْ الْمَأْمُور لَيْسَ بِشَيْء وَلَا فرق بَين ذَوي التَّحْقِيق بَين قَول الْقَائِل: لَا مَأْمُور أصلا، وَبَين قَوْله: لَا شَيْء أصلا هُوَ مَأْمُور، ويعد ذَلِك من متناقض الْكَلَام. قيل لَهُم: كل مَا ذكرتموه ينعكس عَلَيْكُم فِي الْمَأْمُور بِهِ فَإنَّا نقُول لَيْسَ الْمَقْصُود من الْأَمر التَّسَبُّب إِلَى انْتِفَاء الشَّيْء فَإِنَّمَا الْمَقْصد مِنْهُ التَّرْغِيب والحث وَالدُّعَاء إِلَى الِامْتِثَال، ويستحيل الدُّعَاء إِلَى الانتفاء وَالْمَوْجُود عنْدكُمْ لَيْسَ بمأمور فَبَطل مَا قَالُوهُ جملَة وتفصيلا. ثمَّ نقُول لَا خلاف أَن الْمَعْدُوم مَقْدُور وَلَيْسَ المُرَاد بِكَوْنِهِ مَقْدُورًا أَن عَدمه بِالْقُدْرَةِ، وَلَكِن المعني بِهِ أَن الْقُدْرَة تُؤثر فِي قلب الْعَدَم وجودا وَكَانَت قدرَة عَلَيْهِ قبل الْوُجُود وَإِذا وجد بِالْقُدْرَةِ لم تَتَغَيَّر الْقُدْرَة فَكَذَلِك الْأَمر أَمر بالمعدوم على شَرط الْوُجُود وَالشّرط فِي الْمَأْمُور فَإِذا وجد إِلَى الله بعد الْحُدُوث دون الْأَمر وَهَذَا وَاضح لَا خَفَاء بِهِ. .فصل: فَإِن قيل: يَسْتَحِيل اسْتِحْقَاق الثَّوَاب وَالْعِقَاب مَعَ الْعَدَم. قُلْنَا: فَهَلا تبع الْمَوْجُود الْمُخَاطب كل مَعْدُوم. فَإِن قَالُوا: لِأَن وجوده لَا يثبت لَهُم حكما وَهَذَا القَوْل يلزمكم فِي أصل المسألة. .باب يشْتَمل على أصُول مُتَفَرِّقَة شذت عَنَّا فِي أَحْكَام الْأَوَامِر: .فصل: قيل: قد ثَبت بِاتِّفَاق الْأمة وإجماعهم أَن كل أَمر اتَّصل بالرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على وَجه الْإِيجَاب فِي فعل مُتَعَلق بِالْغَيْر فَيجب على الْغَيْر الابتدار لتحقيق الِامْتِثَال فِيهِ، فَإِذا وَجب على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ الزَّكَاة لوَجَبَ على أَرْبَاب الْأَمْوَال بذل الزَّكَاة. فَإِن قيل: هَذَا الَّذِي ذكرتموه من مُوجب الْأَمر؟ قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِك من مُوجب الْأَمر فَإنَّا لَو رددنا إِلَى مُجَرّد مُقْتَضى الْأَمر لم يكن فِي إِيجَاب الْأَخْذ على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيجَاب الْإِعْطَاء على أَرْبَاب الْأَمْوَال. وَقد ذهب شرذمة من الْفُقَهَاء إِلَى أَنا بِمُقْتَضى الْأَمر نَعْرِف وجوب الْإِعْطَاء على أَرْبَاب الْأَمْوَال وَهَذَا سَاقِط من الْكَلَام فَإِن الْأَمر بِالْأَخْذِ يجوز تَقْدِير ثُبُوته مَعَ نهي الْمُعْطِي عَن الْإِعْطَاء، وَلَا يلْزم من ذَلِك تنَافِي وتناقض، وَلذَلِك أَمْثِلَة فِي الشَّرِيعَة، مِنْهَا: أَن الزَّوْج إِذا بدر مِنْهُ مَا يعْتَقد أَنه لَا يبت النِّكَاح فَلهُ الْإِقْدَام على الوطئ، وَإِذا كَانَت الْمَرْأَة تعتقد ابتتات النِّكَاح فلهَا الْمَنْع، وَالشُّهُود إِذا تحملوا الشَّهَادَة فَعَلَيْهِم أَدَاؤُهَا، فَإِذا اعْتقد القَاضِي رد شَهَادَتهم فَعَلَيهِ مُخَالفَة شَهَادَتهم، وَإِذا اعْتقد أَبُو الطِّفْل ثُبُوت حق لطفله فِي مَال طِفْل آخر فَعَلَيهِ الطّلب، وعَلى أبي الطِّفْل الآخر الْمَنْع، وَلَيْسَ ذَلِك من المتناقضات. فَإِن قيل: فَبِمَ عَرَفْتُمْ وجوب امْتِثَال الْأَمر فِي الصُّورَة الَّتِي قدمتموها؟. قيل: لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمر بِالْأَخْذِ على الْإِيجَاب فيطلب بِمَا أَمر بِأَخْذِهِ فَأمره متحتم وَقد أَجمعت الْأمة على وجوب الْإِعْطَاء عِنْد وجوب الْأَخْذ عَلَيْهِ السَّلَام فتبينا بذلك الْإِجْمَاع وَغَيره، وَلم نتبينه بِنَفس الْأَمر المتوجه بِالْأَخْذِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .فصل: قَالَ القَاضِي رَضِي الله عَنهُ: كلما نعت بِالْفَرْضِ من هَذَا الْقَبِيل فَيجب على عين كل وَاحِد وَمن صَار إِلَى أَن هَذَا الْقَبِيل من الْفَرَائِض لَا يتَعَلَّق بالأعيان فقد تَأَول وَتوسع فِي اللَّفْظ فَإِنَّهُ لَا معنى لكَون الشَّيْء مفترضا على عين إِلَّا أَن يُخَاطب بِهِ على سَبِيل الْإِيجَاب، وَهَذَا الْمَعْنى مُتَحَقق فِيمَا سموهُ فروض الكفايات وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لَو تعطل فرض مِنْهُ حرج المخاطبون. فَإِن قيل: فَإِذا قَامَ بِهِ جمَاعَة فلماذا سقط الْفَرْض؟. قُلْنَا: لَا معترض على الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيمَا يلْزم وَيسْقط، فَإِذا قَامَ طَائِفَة بِالْفَرْضِ سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ وَكَانَ قبل قيام من قَامَ بِهِ مُتَعَيّنا على أعيانهم وَكم من فرض سلم الْفُقَهَاء كَونه مُتَعَلقا بِالْعينِ فَيحدث سَبَب يتَضَمَّن سُقُوطه ونظائر ذَلِك لَا تَنْحَصِر فِي الشَّرِيعَة. .فصل: قيل: مَا ثَبت بعد وُرُود الْأَمر كَونه مَكْرُوها فَلَا يتَعَلَّق الْأَمر الْمُطلق بِهِ. وَزعم بعض المنتمين إِلَى أبي حنيفَة أَن الْأَمر يتَعَلَّق بالمكروه. فأفرض الْكَلَام عَلَيْهِم فِي صُورَة مَخْصُوصَة، فَقَالَ: إِذا ورد الْأَمر بِالطّوافِ مُطلقًا، وَطواف الْمُحدث مَعَ وُرُود الْأَمر مُطلقًا مَنْهِيّ عَنهُ وَهُوَ محرم عِنْدهم، أَو مَكْرُوه عِنْد بعض متعسفيهم ويزعمون أَن مُطلق الْأَمر يتَنَاوَل طواف الْمُحدث وَنحن ننكر ذَلِك أَشد الْإِنْكَار، وَوجه الْإِيضَاح فِيهِ أَن نقُول: الْأَمر يتَضَمَّن الِاقْتِضَاء وَالدُّعَاء إِلَى الِامْتِثَال والحث عَلَيْهِ، والكراهية تَقْتَضِي النَّهْي عَن الْمَكْرُوه، وَكَيف يتَحَقَّق كَون مَا نهى عَنهُ مَأْمُورا بِهِ. فَإِن قَالُوا: لَيْسَ الطّواف بمنهي عَنهُ، وَإِنَّمَا النَّهْي عَن ترك الطَّهَارَة. قيل لَهُم: وَإِنَّمَا نهى عَن ترك الطَّهَارَة لأجل الطّواف، وَلَوْلَا الطّواف مَا نهى عَن ترك الطَّهَارَة فَهُوَ إِذا مُتَعَلق بِالطّوافِ. وَالَّذِي يُوضح ذَلِك أَن الطّواف للمحدث مَكْرُوه وفَاقا أَو محرم عِنْد الْأَكْثَرين مِنْكُم. وَالَّذِي يكْشف الغطاء ويحقق الْمَقْصد أَن نقُول صَلَاة الْمُحدث بَاطِلَة مَنْهِيّ عَنْهَا وفَاقا فَهَلا قُلْتُمْ أَن النَّهْي إِنَّمَا يتَعَلَّق بترك الطهار دون الصَّلَاة وَكَذَلِكَ السُّجُود لله تَعَالَى عبَادَة وَالسُّجُود للأصنام والأوثان كفر محرم فَهَلا قُلْتُمْ أَن نفس السُّجُود لَيْسَ بِمحرم، وَإِنَّمَا الْمحرم قصد عبَادَة الصَّنَم بِهِ؟ وَهَذَا لَا محيص لَهُم عَنهُ. ثمَّ نقُول: قد بَينا فِيمَا تقدم من الْأَبْوَاب أَن إِيجَاب الشَّيْء لَا يتَضَمَّن ثُبُوت جَوَازه فَكيف ينطوي على مَكْرُوه. وَهَذَا بَين إِن شَاءَ الله عز وَجل. فَإِن قيل: أَلَيْسَ الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة تندرج الْأَمر بِالصَّلَاةِ وَإِن كَانَت مَكْرُوهَة؟. قُلْنَا: سنشبع القَوْل فِيهِ فِي بَاب مُفْرد إِن شَاءَ الله عز وَجل.
|